من زقاق اللعب إلى قلب الوسط .. طيبة سليم حكاية القميص الوطني ودرسُ الرياضة النسوية

من زقاق اللعب إلى قلب الوسط .. طيبة سليم حكاية القميص الوطني ودرسُ الرياضة النسوية
بغداد – – آية منصور
في أزقّة بغداد، حيث الكرة تُمرَّر بين الأرصفة وعتبات البيوت، بدأت الحكاية. طفلةٌ تلعب مع أولاد الحي، تكبر مهارتها مع كل مباراة مدرسية، فتتّسع رقعة الحلم من درس الرياضة إلى قاعة كرة الصالات، ومن نادي السلام إلى القميص الوطني. طيبة سليم، مواليد 1996، لاعبة وسطٍ وأستاذة في جامعة بغداد/التربية البدنية وعلوم الرياضة، تحكي لـ«السابعة/» مسيرتها كما تُدار مباراة طويلة: دقائقُ من الانضباط، ولحظاتُ قرارٍ سريع، وإنجازاتٌ تتراكم موسمًا بعد آخر.
بدأت علاقة طيبة بكرة القدم منذ الطفولة. لعبت مع جيران وصغار المنطقة، وكانت مهارتها تتطوّر تدريجيًا. في البيت كان التشجيع واضحًا؛ أمها والدها الراحل. وإخوتها. جميعهم وقفوا معها. تقول: “ما دام الأهل معي، أي اعتراضٍ خارجي لا تأثير شديداً له”.
قاعة الصالات.. مشهد الظهور الأول
أول ملعبٍ دخلته طيبة كان قاعة كرة قدم للصالات. هناك ارتدت قميص نادي السلام، وخاضت أول بطولة أندية لها. الأداء لفت الأنظار، والجائزة جاءت مبكرة: «أفضل لاعبة» وهي بعمرٍ صغير، تلاها تكريمٌ رسمي من المسؤولين. صوتُ المدرّب كان سنداً يوميّاً داخل المجموعة، دقائق لعبٍ أطول وثقةٌ أمتن، وتمركزٌ يتشكّل في قلب الملعب.
طيبة انشغلت بالكرة كثيراً. التدريب والدراسة أبعداها حسب قولها لوكالة الأنباء العراقة ، عن فوضى المراهقة. صار لها مشروع حياة في عمرٍ صغير. وتضيف قائلة: “أحبّ مركز الوسط لحرية الحركة وتمرير الكرات القصيرة والمراوغة السريعة وقراءة اللاعبة المقابلة. هدفي خدمة المنظومة، لا لقطات فردية”.
اختيار المنتخب.. إنجازٌ له أسباب واضحة
اختيرت طيبة إلى المنتخب الوطني وهي في الثالثة عشرة. ثقةُ المدرّب بقدرتها في مركز الوسط – تمريرٌ قصير دقيق، مراوغةٌ سريعة، وقراءةٌ صحيحة للاعبة المقابلة – دفعتها إلى دخول التشكيل في المباريات الحاسمة. عقب معسكرٍ تجريبي صدر الاستدعاء إلى المنتخب، فصار القميص اختباراً يومياً للانضباط: تدريباتٌ منتظمة، التزامٌ تكتيكي، ومنافسةٌ على المركز تُحسَم بالمستوى الفني وحده.
وتؤكد طيبة، أن” كرة الأندية محليّة وهدفها المراكز الأولى. لكن في المنتخب المعنى أوسع؛ روح الوطن حاضرة، والمكان يُنتزع بالمستوى الفني فقط. لذلك الاجتهاد في التدريب والعمل كانا الطريق الوحيد للدخول والاستمرار”.
لعبت طيبة لأنديةٍ عدّة تركت في كل واحدٍ منها طبقة خبرة جديدة: السلام، القوة الجوية، الزوراء، ثم نفط ميسان الذي تمثّله حالياً. حصدت لقب «أفضل لاعبة» مع نادي السلام عام 2009، وتكرّر اللقب مع الزوراء عام 2021. على مستوى المنتخبات، مثّلت العراق في تصفيات آسيا للساحات المكشوفة عام 2017، وأحرزت مع المنتخب لقب بطولة غرب آسيا للصالات عام 2022، وشاركت في تصفيات آسيا للصالات عام 2025. في سجلّها أيضاً مركزٌ متقدّم في بطولة صالات بالكويت وتجارب دولية تُضيف سرعة قرارٍ وتنوّع احتكاك.
وسطٌ يُدير الإيقاع
وترى طيبة ان أسلوبها يعتمد على السرعة في المراوغة، والتمريرة القصيرة التي تفتح ممرّات اللعب، وقراءة حركة المنافس. وتكمل حديثها لـ قائلة: ” مركز الوسط يجعلني أرى زميلاتي والخصم معاً. أحبّ التحوّل من الافتكاك إلى البناء خلال ثوانٍ محدودة”.
وتبين سليم، أن “الصالات ملعبٌ صغير وإيقاعٌ أسرع، جهدٌ متواصل، تبدّلاتٌ سريعة بين الدفاع والهجوم، وقرارٌ تكتيكي لحظي. لكن ساحات الملاعب المكشوفة تمنح أمتاراً أطول ومساحاتٍ لتمريراتٍ قطرية وتوقيتٍ مختلف للضغط. انتقال طيبة بين البيئتين أنتج لاعبةً تملك مرونة التكتيك وقوة التركيز، وهو ما ظهر في مبارياتٍ حاسمة للمنتخب والأندية”.
وتضيف: ” اليوم، أنا أستاذة في جامعة بغداد/التربية البدنية وعلوم الرياضة، وأطمح إلى تعليم الطالبات المستوى الفني بطريقةٍ منهجية. ما أتعلّمه في الملعب أنقله إلى القاعة الدراسية، وما نتدرّب عليه نظرياً أختبره عملياً في النادي. هذا التبادل صنع شخصًا ًأقوى في داخلي”.
لكلّ مدرّبٍ بصمته حسبما تؤكد طيبة: ” من يعمل على التموضع والزوايا، من يضبط اللمسة الأولى، من يربي الضغط العكسي والانتقال السريع. هذه التعدّدية صنعت لديها طبقات فهمٍ متراكبة: قراءةُ فراغٍ قبل وصول الكرة، وهدوءٌ ذهني عند ضغط الدقائق الأخيرة. وتكمل بالقول: كرة القدم النسوية ليست محبطة بالنسبة لي، لكنها تحتاج دعماً واهتماماً أكبر. نحتاج مشاركة أوسع في بطولات ودية خارجية، إعلاماً يغطّي بشكلٍ أعمق، وأكاديمياتٍ متخصّصة للفتيات لأن لدينا مواهب كثيرة صغيرة السن. هدفي في نهاية مشواري أن أساهم في تأسيس مسارات تدريبية وبيئاتٍ آمنة تُنمّي اللاعبات”.
واختتمت طيبة بقولها :” أتابع الدوري الإسباني كثيراً، وأشجّع نادي برشلونة. وميسي مثلي الأعلى لسببٍ واضح هو القرار السريع تحت الضغط، وتمريرة تسبق حركة الزميل بجزءٍ من الثانية. وأحاول أن أترجم هذا إلى الوسط بما يناسب واقع لعبنا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *