قراءة في رواية (القلعة وكلاب أبي) للكاتب شيرزاد حسن

قراءة في رواية (القلعة وكلاب أبي) للكاتب شيرزاد حسن

فاضل علي
يُعَدّ شيرزاد حسن واحدًا من أبرز الأصوات الأدبية في كردستان العراق، وقد شكّلت روايته القصيرة القلعة وكلاب أبي منعطفًا مهمًّا في مسار السرد الكردي المعاصر.
ظهرت الرواية للمرة الأولى عام 1996 بلغتها الأصلية، ثم نُقلت إلى العربية بترجمة المترجم غسّان حمدان، وقد كشفت الترجمة عن عمل أدبي ينهض على التمثيل الرمزي والاستعاري، بما يحمله من دلالات عميقة وأبعاد فكرية وجمالية جعلت منه نصًّا لافتًا في الأدب الحديث، ومع ذلك، لم تحظَ هذه الرواية – إلى حدّ الساعة – بقراءة معمّقة تنطلق من منظور البويطيقا الجديدة Poetics، إذ يبدو واضحًا أنّ شخصية «الأب» تمثّل استعارة عن شخصية رئيس النظام البعثي المقبور، وأنّ الرواية برمّتها تندرج ضمن ما يمكن توصيفه بـ «التمثيل الاستعاري»، حيث تُبنى جميع عناصرها السردية على شبكة من الرموز والإحالات التي تستمد مدلولاتها من الواقع السياسي والاجتماعي العراقي.
وعلى مستوى النوع الأدبي Genre، يمكن تصنيف الرواية ضمن الأليغوريا الاستعارية Metaphoric Allegory، وهو تصنيف يقتضي وعيًا نقديًّا بجوهر العمل، إذ تتداخل فيه الشخصيات والأمكنة والعناصر الحيوانية لتؤسس فضاءً تخيليًّا مشبعًا بالرموز، ومن دون إدراك هذا البعد، تغيب عن القارئ إمكانية النفاذ إلى المعنى العميق للنص، فكلّ عنصر تخيلي في الرواية ينطوي على استعارةٍ لا يُفهم مغزاها إلا بالعودة إلى سياقها التاريخي والاجتماعي، ومن ثمّ، فإنّ القراءة النقدية تفترض ربط الرموز بالواقع السياسي في العراق إبّان مرحلة الاستبداد والإبادة الجماعية، وصولًا إلى سقوط النظام عام 2003.
إنّ شيرزاد حسن، في هذا السياق، يوظّف استعارات ذات مرجعيات واقعية تحيل إلى نفسية الديكتاتور وآليات سلطته، بما يجعل النصّ وثيقة أدبية وشهادة جمالية في آنٍ واحد. — أولًا: «الأب» بوصفه استعارة عن صدّام حسين يقدّم السارد، وهو الابن الأكبر، صورة «الأب» الذي يفرض سلطته داخل حصنٍ معزول يضم عددًا كبيرًا من الأمهات والأبناء والأخوات، يظلّ الابن الأكبر يحلم بقتل أبيه، غير أنّ سلطة الأخير تبدو مطلقة، إذ ينظّم العمل ويوزّع المهام ويمارس هيمنة عسكرية صارمة، أما النساء فيقعن في مركز الظلم والتعسّف، وهكذا يتجسّد «الأب» في صورة شخصية بارانويدية، سادية، متعالية، تعكس صورة الحاكم المستبد.
ثانيًا: «الحصن» استعارة عن العراق و«الكلاب» استعارة عن الأجهزة الأمنية يشيّد الأب حصنًا حصينًا أقرب إلى ثكنة عسكرية، يقطع فيه الصلة بالعالم الخارجي، ويمنع الدخول والخروج إلا بإذنه، ومن أجل حماية سلطته، يعتمد على كلاب مدرّبة يصفها بأنها «روحه»، فتغدو رمزًا للأجهزة الأمنية التي تمارس العنف ضد كل من يتحدّى النظام.
ثالثًا: الابن الأكبر وسكّان الحصن استعارة عن «الحرية الموهومة» بعد وفاة الأب وانفتاح أبواب الحصن، لا يجد السجناء طريقًا إلى الحرية الحقيقية، إذ يستمرّ حضور العبودية الداخلية، على نحوٍ يقارب ما أشارت إليه الفيلسوفة سيمون دو بوفوار في وصفها لآليات الاستلاب، فالميراث الاجتماعي والثقافي من التخلّف يظل قائمًا، ولم يحدث أي تحوّل جوهري. وفي هذا السياق، يظهر البعد البين-نصي Intertextual في الرواية بوصفه تفاعلًا خلاقًا مع الخطاب الثقافي العالمي. وعند استحضار الواقع العراقي بعد سقوط النظام عام 2003، يتراءى أن شعبًا لم يخض تجربة نضال تدريجي وتراكمي ضد الاستبداد، وإنما تُرك أمره للتدخلات الخارجية وللوكلاء التابعين للقوى الإقليمية، لم يتمكّن من تحقيق الديمقراطية أو التقدّم الاجتماعي، بل إنّ الأزمة تفاقمت إلى الحد الذي جعل البعض يتحسّر على الماضي، رغم قسوته.
خاتمة أنّ رواية القلعة وكلاب أبي لا تُعدّ مجرد نص قصصي قصير، بل هي شهادة أدبية مكثّفة على مرحلة مظلمة من تاريخ العراق، فقد نجح شيرزاد حسن في بناء نصّ يستند إلى التمثيل الاستعاري، حيث تحوّلت الشخصيات والأمكنة إلى رموز كاشفة لبنية السلطة وآليات القمع.
ومن خلال هذا الأسلوب، استطاع أن يمنح الأدب الكردي والعراقي بوجه عامّ بعدًا جديدًا يتجاوز حدود التوثيق التاريخي المباشر إلى أفق التأمل الرمزي والجمالي، وبذلك، تحتلّ هذه الرواية مكانة بارزة في مسار السرد الكردي الحديث، بما تقدّمه من قراءة إبداعية لجدلية السلطة والحرية، والذاكرة والهوية، في سياق اجتماعي وسياسي ما زالت ارتداداته حاضرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *