التسونامي الأكثر دموية في التاريخ

التسونامي الأكثر دموية في التاريخ

في الساعة الثامنة من صباح يوم السادس والعشرين من ديسمبر لعام 2004، بالتوقيت المحلي، وقع أحد أشد الزلازل فتكا في التاريخ الحديث على “مقياس العصر الجيولوجي”.

ضرب هذا الزلزال الهائل، الذي تراوحت قوته بين 9.1 و9.3 درجة على مقياس ريختر، قاع المحيط الهندي قبالة الساحل الشمالي الغربي لجزيرة سومطرة الإندونيسية.

هذا الحدث الجيولوجي المرعب يُعد واحدا من أقوى ثلاثة زلازل سجلتها البشرية في تاريخها المعاصر، حيث لا يتفوق عليه سوى زلزال تشيلي عام 1960 بقوة 9.5 درجة، وزلزال ألاسكا عام 1964 بقوة 9.2 درجة. غير أن الفارق الجوهري يكمن في العواقب المأساوية. فيما وقع الزلزالان الآخران قرب مناطق قليلة السكان، تسبب زلزال سومطرة في كارثة إنسانية كبرى طالت حتى سواحل بعيدة.

في أعقاب الهزة الأرضية العنيفة، التي تسببت في انزياح جزيرة سومطرة نفسها مسافة 36 مترا، تشكلت أمواج تسونامي عاتية تجاوز ارتفاعها 15 مترا. انطلقت الأمواج مثل جدران مائية الهائلة عبر المحيط الهندي بسرعة طائرة نفاثة، ضاربةً سواحل اثنتي عشرة دولة في غضون ساعات قليلة. بدأ الدمار في إندونيسيا، الدولة الأكثر تضررا على الإطلاق، حيث دمّرت الأمواج ما يقارب 60 بالمئة من مدينة باندا آتشيه في سومطرة، وتوغلت مياه البحر لعشرات الكيلومترات داخل اليابسة، ومحت قرى بأكملها. اتجهت الأمواج بعد ذلك نحو تايلاند، حيث غمرت جزيرة فاي فاي بالكامل وضربت منطقة خاو لاك الساحلية بموجة بارتفاع ثلاثة طوابق، ما أدى إلى انهيار الطوابق السفلية للفنادق الفاخرة والمباني السكنية.

بعد ساعتين فقط وصلت الموجات القاتلة إلى سريلانكا والهند وجزر المالديف وبنغلاديش. في سريلانكا، شهدت واحدة من أكثر الحوادث رمزية للمأساة، حيث جرفت الأمواج عربتي قطار ركاب محمّل بالمسافرين إلى المحيط، ولم ينج من بين ما يقارب ألفي راكب سوى مئة وخمسين شخصا. استمر الزحف المدمر للتسونامي عبر المحيط، ليجتاز مسافة 6900 كيلومتر ويصل بعد ست ساعات إلى سواحل شرق إفريقيا، ما يؤكد طابع الكارثة العالمي.

كانت الخسائر البشرية مروعة بكل المقاييس، حيث تراوحت التقديرات بين 225.000 و300.000 قتيل ومفقود، ما جعل هذا التسونامي الأكثر دموية في التاريخ المسجل. لكن المأساة لم تنته مع انحسار المياه. خلّفت الفيضانات وراءها بيئة مواتية لتفشي الأوبئة مثل الكوليرا والتيفوئيد والدوسنتاريا، ما أودى بحياة العديد ممن نجوا من الموجات الأولى. كما نزح حوالي 1.6 مليون شخص من ديارهم، ما خلق أزمة إنسانية معقدة طالت قطاعات الصحة والسكن والغذاء.

نتج التسونامي عن عملية عنيفة تحت قاع المحيط. حدث الزلزال بسبب اصطدام وانزياح الصفائح التكتونية الهندية والبورمية والأسترالية عند منطقة اندساس. أدى هذا الانزياح المفاجئ، الذي بلغ عدة أمتار، إلى تشوه هائل في قاع المحيط ودفع كميات هائلة من الماء، مولدا تلك الأمواج الهائلة التي اجتاحت المحيط.

لعل الإرث الأبرز لهذه الكارثة الفادحة كان التحول الجذري في النهج العالمي لإدارة الكوارث والحد من مخاطرها. كشفت المأساة عن نقص فادح في أنظمة الإنذار المبكر في المحيط الهندي. نتيجة لذلك، شهد العالم تكاتفا دوليا غير مسبوق، حيث تعاونت دول تفصل بينها آلاف الكيلومترات لإنشاء “نظام الإنذار المبكر من تسونامي المحيط الهندي”، وهو نظام يعتمد على شبكة معقدة من عوامات قياس الضغط في قاع المحيط وأجهزة قياس الزلازل ومراكز الرصد الساحلية. كما أدى هذا الحدث إلى إقرار أول اتفاقية دولية شاملة للحد من مخاطر الكوارث.

الأهم من ذلك، ولد من خضم هذه المأساة مفهوم ثوري في سياسات التعافي وإعادة الإعمار، وهو مفهوم “إعادة البناء بشكل أفضل”. فبدلا من الاكتفاء بترميم الأضرار وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، سعى هذا المفهوم إلى معالجة نقاط الضعف الأساسية التي وسعت رقعة الدمار. يشمل ذلك تحسين معايير البناء المقاوم للكوارث، وإعادة تخطيط استخدام الأراضي الساحلية لحماية المناطق السكنية، والحفاظ على النظم البيئية الطبيعية كالمانغروف، “وهي غابات ساحلية استوائية وشبه استوائية تنمو في المياه المالحة وتتميز بجذورها المتشابكة”، وكذلك الشعاب المرجانية التي أثبتت فعاليتها في تخفيف قوة الأمواج في بعض المناطق في الهند، ونشر التوعية الواسعة عن كيفية الاستجابة للإنذارات.

في المحصلة، كان زلزال وتسونامي المحيط الهندي في 2004، نقطة تحول مفصلية في وعي البشرية. هو ذكرى قاسية بقوة الطبيعة الهائلة، ودليل صارخ على ترابط مصير المجتمعات عبر المحيطات، في الوقت نفسه، ما حدث درس عميق في ضرورة التعاون الدولي والتخطيط الوقائي الذكي. هذه الموجات العنيفة تركت وراءها درسا مفاده، أن مواجهة المستقبل لا تكون فقط بالاستجابة للكوارث عند وقوعها، بل ببناء مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على الصمود أمامها.

المصدر: RT

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *